إن معرفة الفرق بين التعريف الاصطلاحي والتعريف الإجرائي(دليل شامل للباحثين الأكاديميين) في البحث العلمي، إذ تؤدي التعريفات دورًا محوريًا في بناء وتطوير النظريات، وفهم المفاهيم، وتحليل البيانات، كما تعد التعريفات أدوات أساسية تساعد الباحثين على تحديد المفاهيم التي يدرسونها بوضوح، وتوجيه القراء لفهم دقيق لما يتم مناقشته، أو تحليله، ومن بين هذه التعريفات، يظهر كل من التعريف الاصطلاحي والتعريف الإجرائي كعنصرين أساسيين في تصميم وتنفيذ الأبحاث العلمية.
ما هو التعريف الاصطلاحي؟
التعريف الاصطلاحي: هو وصف نظري أو تجريدي لمفهوم معين يُستخدم في توضيح معناه بشكل شامل ومجرد، ويركز هذا النوع من التعريفات على تحديد المعنى الذي يتفق عليه المجتمع العلمي لمصطلح معين، مما يساعد في توحيد الفهم والتواصل بين الباحثين في نفس المجال.
على سبيل المثال، قد يُعرَّف مفهوم “الذكاء” اصطلاحيًا بأنه “القدرة على التعلم، وحل المشكلات، والتكيف مع البيئة”، وهذا التعريف لا يقدم تفاصيلًا حول كيفية قياس الذكاء، ولكنه يحدد المعنى النظري العام للمفهوم، مما يسمح باستخدامه في مناقشات أو أبحاث أخرى تتعلق بهذا الموضوع، وتعد التعريفات الاصطلاحية ضرورية؛ لأنها توفر إطارًا نظريًا يمكن أن يُبنى عليه البحث العلمي، ودون هذه التعريفات، قد يكون من الصعب على الباحثين توصيل أفكارهم بشكل دقيق، وقد يؤدي ذلك إلى تفسيرات متباينة، أو خاطئة للمفاهيم.
ما هو التعريف الإجرائي؟
التعريف الإجرائي: يركز على كيفية قياس أو تنفيذ المفهوم في إطار البحث، كما يُستخدم هذا النوع من التعريفات؛ لتحويل المفهوم المجرد إلى متغيرات قابلة للقياس، أو الملاحظة، وبعبارة أخرى، يحدد التعريف الإجرائي الخطوات، أو الإجراءات التي يستخدمها الباحث لقياس المفهوم.
على سبيل المثال، إذا كان الباحث يدرس “الذكاء” باستخدام التعريف الإجرائي، قد يُعرّفه بأنه “الدرجة التي يحصل عليها الفرد في اختبار معين للذكاء، مثل اختبار وكسلر”، وهذا التعريف يوضح كيف يمكن للباحث قياس الذكاء في دراسة معينة، مما يسمح بجمع بيانات قابلة للتحليل.
وتكتسب التعريفات الإجرائية أهميتها من تضمين المفاهيم المجردة يمكن تحويلها إلى شيء يمكن قياسه واختباره، وهذا يجعل البحث أكثر دقة ويسهل على الباحثين الآخرين تكرار الدراسات والتحقق من النتائج.
الفرق بين التعريف الاصطلاحي والتعريف الإجرائي
يكمن الفرق الرئيس بين التعريف الاصطلاحي والإجرائي في الهدف من كل منهما، بينما يهدف التعريف الاصطلاحي إلى تقديم معنى نظري وشامل للمفهوم، كما يهدف التعريف الإجرائي إلى تحديد كيفية قياس، أو ملاحظة هذا المفهوم في سياق البحث، وبعبارة أخرى، يمكن اعتبار التعريف الاصطلاحي بمثابة الإطار النظري للمفهوم، في حين أن التعريف الإجرائي هو التطبيق العملي لهذا المفهوم.
من حيث الوظيفة، يسهم التعريف الاصطلاحي في بناء الأساس النظري للأبحاث، بينما يسهم التعريف الإجرائي في ضمان دقة القياس وإمكانية تكرار الدراسات، ويُستخدم التعريف الاصطلاحي في المراحل المبكرة من البحث؛ لتوضيح الفرضيات والأسئلة البحثية، في حين يُستخدم التعريف الإجرائي في المراحل اللاحقة عند جمع البيانات وتحليلها.
تطبيقات عملية للتعريفات في البحث العلمي
أولًا: كيف يؤثر التعريف الاصطلاحي على تطوير النظرية؟
يؤدي التعريف الاصطلاحي دورًا حاسمًا في تطوير النظريات العلمية، وذلك من خلال تحديد المفاهيم بشكل واضح وشامل، يمكن للباحثين بناء فرضيات قوية واختبارها، فعلى سبيل المثال، في الدراسات النفسية، يمكن استخدام تعريف اصطلاحي مثل: “التحفيز الذاتي” لتطوير نظرية حول كيفية تأثيره على الأداء الأكاديمي.
ثانيًا: كيف يؤثر التعريف الإجرائي على تصميم البحث؟
يؤثر التعريف الإجرائي بشكل مباشر على كيفية تصميم البحث وجمع البيانات، ومن خلال تحديد كيفية قياس المتغيرات، يمكن للباحثين ضمان أن الدراسة ستنتج بيانات دقيقة وقابلة للتحليل، فعلى سبيل المثال، إذا كان الباحث يدرس “الإجهاد”، قد يحدد التعريف الإجرائي أن الإجهاد سيتم قياسه من خلال مستويات الكورتيزول في الدم.
ثالثًا: التوازن بين التعريفين لضمان دقة النتائج
لضمان دقة البحث، يجب على الباحثين استخدام كلا النوعين من التعريفات، ويضمن التعريف الاصطلاحي أن المفاهيم مفهومة بشكل صحيح من قبل الجميع، في حين أن التعريف الإجرائي يضمن أن هذه المفاهيم يمكن قياسها وتحليلها بدقة، ويساعد هذا التوازن في إنتاج نتائج بحثية موثوقة وقابلة للتكرار.
تحديات استخدام التعريفات الاصطلاحية والإجرائية
أولًا: تحديات صياغة التعريفات الاصطلاحية
من التحديات الرئيسة في صياغة التعريفات الاصطلاحية هو صعوبة تحديد معانٍ شاملة للمفاهيم _خاصةً_ في المجالات التي تتداخل فيها التخصصات العلمية، فقد يكون من الصعب الوصول إلى اتفاق مشترك حول تعريف معين، مما قد يؤدي إلى تفسيرات متعددة لنفس المفهوم.
ثانيًا: تحديات صياغة التعريفات الإجرائية
أما بالنسبة للتعريفات الإجرائية، فتتمثل التحديات في تحويل المفهوم النظري إلى شيء يمكن قياسه بفعالية، وقد يؤدي التعريف الإجرائي الغامض، أو غير الدقيق إلى جمع بيانات غير موثوقة، أو غير قابلة للتحليل؛ لذلك، يتطلب الأمر تفكيرًا دقيقًا ومراجعة متأنية؛ لضمان أن التعريف الإجرائي يعكس بشكل صحيح المفهوم النظري المراد قياسه.
اترك تعليقاً