نناقش في هذا المقال أنواع المقابلة في البحث العلمي؛ إذ تُعد المقابلات إحدى أدوات جمع البيانات الأكثر استخدامًا في البحوث العلمية _خاصةً_ في البحوث النوعية التي تهدف إلى فهم أعمق للتجارب والظواهر البشرية، وتساعد المقابلات الباحثين على التفاعل المباشر مع المشاركين؛ للحصول على معلومات مفصلة وذات مغزى، وتختلف أنواع المقابلات بناءً على الطريقة المستخدمة، والأسئلة المطروحة، ومدى حرية الإجابة، وهذا التنوع يتيح للباحثين اختيار النوع الأنسب لأهداف دراستهم.
أنواع المقابلة في البحث العلمي:
يمكن تقسيم المقابلات في البحث العلمي إلى أنواع ثلاثة رئيسية: المقابلات المنظمة، والمقابلات شبه المنظمة، والمقابلات غير المنظمة، ويعتمد اختيار النوع المناسب على أهداف البحث، وطبيعة البيانات المطلوبة.
أولًا: المقابلات المنظمة:
- تعريف المقابلة المنظمة: المقابلة المنظمة هي نوع من المقابلات التي يتبع فيها الباحث مجموعة ثابتة من الأسئلة التي تم إعدادها مسبقًا، كما يتم توجيه الأسئلة بالطريقة نفسها، وبالترتيب نفسه لكل المشاركين؛ لضمان توحيد البيانات وجعلها قابلة للمقارنة.
- خصائص المقابلة المنظمة: تتميز المقابلات المنظمة بأنها متسقة ومنظمة بوضوح، مما يساعد على جمع بيانات دقيقة ومنظمة، تتيح هذه المقابلة للباحث تحليل البيانات بسهولة؛ لأنها تتبع هيكلًا محددًا.
- مزايا وعيوب المقابلة المنظمة: من مزايا هذا النوع من المقابلات هو أنها توفر بيانات قابلة للتحليل الكمي، ويمكن بسهولة مقارنتها بين المشاركين المختلفين، ومع ذلك، يمكن أن تكون هذه المقابلة محدودة في قدرتها على استخراج معلومات عميقة، أو غير متوقعة؛ لأن الأسئلة لا تترك مجالًا للمرونة.
ثانيًا: المقابلات شبه المنظمة:
- تعريف المقابلة شبه المنظمة: المقابلة شبه المنظمة هي نوع من المقابلات التي تجمع بين الأسئلة المعدة مسبقًا والأسئلة المفتوحة التي تسمح للمشارك بالتوسع في إجاباته، كما يتمتع الباحث بمرونة أكبر في تعديل الأسئلة، أو إضافة أسئلة جديدة بناءً على ردود المشارك.
- خصائص المقابلة شبه المنظمة: تتميز المقابلات شبه المنظمة بأنها تمنح الباحث حرية أكبر في استكشاف الموضوعات التي تهمه بناءً على ما يطرحه المشارك، كما أنها تتيح المجال للمشاركين؛ للتعبير عن آرائهم بشكل أوسع.
- مزايا وعيوب المقابلة شبه المنظمة
- من مزايا هذا النوع من المقابلات أنه يسمح بجمع بيانات غنية وعميقة تعكس تجارب وآراء المشاركين. ومع ذلك، قد يتطلب تحليل البيانات وقتاً أطول بسبب تنوع الإجابات وعدم توحيدها بشكل صارم.
ثالثًا: المقابلات غير المنظمة:
- تعريف المقابلة غير المنظمة: المقابلة غير المنظمة هي نوع من المقابلات التي لا تعتمد على مجموعة ثابتة من الأسئلة، كما يتم تركيز المقابلة حول موضوعات عامة، ويقوم الباحث بتوجيه النقاش بناءً على ردود المشارك، مما يجعل المقابلة شبيهة بالمحادثة.
- خصائص المقابلة غير المنظمة: تتيح المقابلات غير المنظمة مرونة كبيرة للباحث والمشارك، حيث يمكن للباحث تعديل المقابلة كاملةً وفقًا لما يظهر أثناء الحوار، وتعد هذه المقابلات مفيدة للغاية في الدراسات الاستكشافية التي تهدف إلى اكتشاف موضوعات جديدة، أو غير معروفة.
- مزايا وعيوب المقابلة غير المنظمة: من أهم مزايا هذا النوع من المقابلات أنها توفر فرصًا كبيرة؛ لاكتشاف أفكار ومعلومات جديدة، ومع ذلك، قد تكون هذه المقابلات صعبة في التحليل؛ لأنها تنتج بيانات غير متجانسة، وغير منظمة.
رابعًا: المقابلات الفردية والجماعية
- المقابلات الفردية: المقابلات الفردية هي المقابلات التي يتم إجراؤها بين الباحث وشخص واحد فقط، كما تتميز بأنها تسمح للمشارك بالتعبير عن آرائه وتجربته الشخصية دون تأثير الآخرين.
- المقابلات الجماعية: المقابلات الجماعية، أو (مجموعات التركيز) هي التي يتم إجراؤها مع مجموعة من الأشخاص في آن واحد، كما تهدف إلى جمع آراء وتفاعلات متعددة حول موضوع معين، وتوفر هذه المقابلات ميزة إضافية تتمثّل في مراقبة التفاعلات الاجتماعية بين المشاركين.
أساليب إجراء المقابلة في البحث العلمي:
توجد عدة أساليب لإجراء المقابلة في البحث نذكر منها:
أولًا: المقابلات وجهًا لوجه:
يعد هذا النوع من المقابلات الأكثر شيوعًا، حيث يلتقي الباحث بالمشارك مباشرةً، ويجري المقابلة معه شخصياً، وتتميز هذه الطريقة بالتفاعل المباشر والحصول على ردود فورية.
ثانيًا: المقابلات عبر الهاتف:
تعد المقابلات الهاتفية حلًا بديلًا في حال عدم إمكانية اللقاء الشخصي، وعلى الرغم من عدم وجود التفاعل البصري إلا أنها توفر مرونة كبيرة للباحث والمشارك.
ثالثًا: المقابلات عبر الإنترنت:
تزداد شعبية المقابلات عبر الإنترنت باستخدام أدوات مثل: Zoom أو Skype توفر هذه المقابلات الراحة والمرونة _خاصةً_ في الأبحاث التي تتطلب مقابلة مشاركين من مناطق جغرافية مختلفة.
معايير اختيار نوع المقابلة:
لكي يتمكن الباحث من اختيار المقابلة التي تتناسب مع العينة يجب أن يضع في اعتباره بعض المعايير وهي:
- طبيعة البحث: يعتمد اختيار نوع المقابلة على أهداف الدراسة، وفي حال كانت الدراسة استكشافية، وتهدف إلى جمع بيانات نوعية، قد يكون من الأنسب استخدام المقابلات غير المنظمة، أما إذا كان الهدف هو مقارنة الإجابات بشكل موحد، فقد تكون المقابلات المنظمة هي الخيار الأفضل.
- خصائص المشاركين: تؤدي خصائص المشاركين دورًا كبيرًا في اختيار نوع المقابلة، مثلًا، وإذا كان المشاركون يتمتعون بخبرة واسعة في الموضوع، فقد يكون من الأنسب استخدام المقابلات غير المنظمة؛ للسماح لهم بالتعبير عن آرائهم بشكل موسع.
- الموارد المتاحة: الموارد مثل: الوقت والمال والتكنولوجيا تؤدي دورًا مهمًا في اختيار نوع المقابلة، وفي حالة عدم توافر الموارد الكافية، قد يكون من الأنسب استخدام المقابلات عبر الهاتف، أو الإنترنت؛ لتوفير التكاليف.
أخلاقيات إجراء المقابلة في البحث العلمي:
- يجب على الباحثين الحفاظ على سرية المعلومات التي يتم جمعها من المشاركين.
- يجب التأكد من عدم كشف هوية المشاركين، أو استخدام بياناتهم دون موافقتهم الصريحة.
- من الضروري احترام حقوق المشاركين في الانسحاب من الدراسة في أي وقت.
- تجنب أي ضغط عليهم، للإجابة عن الأسئلة التي قد تكون غير مريحة لهم.
التحديات التي قد تواجه الباحث أثناء إجراء المقابلة:
- التحديات اللوجستية: تتمثل التحديات اللوجستية في صعوبة ترتيب المواعيد مع المشاركين، أو الوصول إلى مكان المقابلة، وكذلك، يمكن أن تواجه المقابلات عبر الإنترنت تحديات تقنية مثل: انقطاع الاتصال.
- التحديات الثقافية: قد يواجه الباحث صعوبات في التواصل مع مشاركين من خلفيات ثقافية مختلفة، مما قد يؤثر على سير المقابلة ووضوح الأسئلة.
- التحديات المتعلقة بالتفاعل بين الباحث والمشارك: قد تتأثر جودة البيانات التي يتم جمعها بتفاعل الباحث مع المشاركين، وعلى الباحث أن يبقى محايدًا، وألا يؤثر على إجابات المشارك بأي شكل من الأشكال.
أهمية التدريب على إجراء المقابلات في البحث العلمي:
تعد مهارات الباحث في إدارة الحوار والاستماع الفعّال من الأمور الأساسية في نجاح المقابلات، كما يحتاج الباحث إلى تدريب مستمر؛ لتحسين قدرته على جمع بيانات دقيقة. فكلما زادت خبرة الباحث في إجراء المقابلات، كلما أصبحت قدرته على إدارة الحوار بفعالية أفضل؛ مما ينعكس إيجابًا على جودة البيانات التي يتم جمعها.
التحليل النوعي لبيانات المقابلات:
أولًا: منهجيات التحليل
يتم تحليل بيانات المقابلات النوعية باستخدام منهجيات عدة مثل: التحليل الموضوعي، أو التحليل السردي، كما يركز الباحث على استخراج الأنماط والمعاني من إجابات المشاركين.
ثانيًا: البرامج المستخدمة لتحليل المقابلات
توجد عديد من البرامج التي تساعد الباحثين في تحليل بيانات المقابلات، مثل: NVivo وMAXQDA التي تسهل تنظيم البيانات واستخراج النتائج.
دور المقابلات في الدراسات النوعية:
تُعد المقابلات أداة أساسية في الدراسات النوعية؛ لأنها تمكن الباحث من فهم التجارب الشخصية والظواهر المعقدة التي لا يمكن قياسها بالأرقام، وعلى عكس الاستبيانات، أو الاختبارات، تتيح المقابلات للباحث الفرصة؛ لاستكشاف الموضوع بعمق واستكشاف الجوانب التي قد لا تظهر في الأدوات الأخرى.
الأسئلة الشائعة:
ما هو نوع المقابلة الأفضل لدراسات الحالة؟
المقابلات شبه المنظمة هي الأنسب لدراسات الحالة؛ لأنها تجمع بين الهيكل والمرونة.
كيف يمكن للباحث تجاوز التحديات الأخلاقية؟
يمكن للباحث تجاوز التحديات الأخلاقية من خلال الالتزام بسرية المعلومات، واحترام حقوق المشاركين.
ما هي أفضل الطرق لتحليل بيانات المقابلات؟
يعد التحليل الموضوعي من أكثر الأساليب شيوعًا وفعالية في تحليل بيانات المقابلات النوعية.
ما الفرق بين المقابلة وشبه الاستبيان؟
تتيح المقابلة التفاعل الشخصي والمرونة في طرح الأسئلة، بينما يكون الاستبيان أكثر صرامة وتنظيمًا.
اترك تعليقاً